
تم توثيق الكثير من الاضطرابات النفسية ما بعد الصدمة للأفراد والمجموعات الايزيدية في شنگال. ويرى الإيزيديون أن معاناتهم تعتبر معاناة جماعية يتعرضون لها بسبب انتمائهم الديني. وتُعد هجمات داعش ضدهم في 3 أغسطس/ آب 2014 الإبادة الجماعية رقم 74. ويعتبرون أيضًا هجمات 14 أغسطس/ آب 2007 على مجمعي تل عزير وسيبا شيخ خدر التي راح ضحيتها أكثر من 500 شخص، بأنها إبادة جماعية، ويصفونها بالإبادة الجماعية رقم 73. ونتج جرَّاء ذلك صدمات نفسية تاريخية تنتقل من جيل لآخر.
كمجموعة غير مسلمة، كان الإيزيديون عرضة للاضطهاد والتمييز من قِبَل المسلمين المتطرفين، وعاشوا في ظروف غير آمنة، وعانوا من التفرقة والتعصب الديني نحوهم. لقد أصبحت دور الضحية التاريخية الجماعية سمة من سمات الهوية الإيزيدية. وتُذَكِّر أساليب تنظيم الدولة الإسلامية بقتل الرجال واستعباد واجبار النساء والأطفال على اعتناق الإسلام بأحداث إبادات جماعية سابقة في عهد الدولة العثمانية تجاه الايزيديين.
يتم تحديد عواقب الصدمة من خلال كيفية تعامل البلدان التي يعيش فيها الإيزيديون مع المسائل المفتوحة، مثل الاعتراف بالإبادة الجماعية ومعالجتها قانونيًا واجتماعيًا، ومع قضية إعادة لمْ شمل العائلة. كما ان مسألة ‘‘فيما إذا كان الإيزيديون كمجموعة يستطيعون المشاركة في عملية صنع القرار وكيفية تحقيقها‘‘ يلعب دورًا مهما. ويتم التغلب على هذه الصدمات على مستويات مختلفة والتي تؤثر بشكل متبادل مع بعضها البعض. كما يمكن التفرقة في هذا السياق بين العوامل الداخلية والخارجية فيما يخص الفرد أو المجموعة أو المجتمع بأكمله.
يقيم الحداد عند الإيزيديين بشكل فردي أو جماعي. فمنذ بدء الإبادة الجماعية المستمرة، كان الرجال والنساء يغنون المرثيات وينشرونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ظهرت العديد من الأغاني والقصائد والصور والرسومات التي تتناول مواضيع عن الذي حدث او عن المعاناة والحزن او عن آمال المستقبل. وأصبحت شنگال رمزًا للإيزيديين في جميع أنحاء العالم.
وفي 3 أغسطس/ آب من كل عام تُنظَّم فاعليات إحياء ذكرى الإبادة الجماعية في جميع أنحاء العالم، سواء بالحضور الفعلي أو من خلال الفضاء الإلكتروني. وتُنظِّم هذه الفاعليات من قبل جمعيات وجهات مختلفة ومنظمات مدنية، بشكل فردي أو بالتعاون فيما بينها. وبمرور السنوات تعلو المطالب بإجراء التحقيقات القانونية وإعادة إعمار شنگال وضمان أمنها.
أنشأ الإيزيديون بأنفسهم العديد من الأماكن في شنگال، والتي تُذكِّر بأحداث وأشخاص معينة. وتقع هذه المواقع في أماكن عامة، وتُعَد مقصدًا للناس خلال الأعياد وأيام الذكرى الإيزيدية.
دعونا نتذكر شنگال مرة أخرى لبعض الدقائق أو حتى لبعض الثواني
فهي لنا كإيزيديين تبريك وتذكار
لا تنسوا الأمهات والبنات المختطفات
اللواتي تعرضن للأفعال الشنيعة ولا يزلن من المجرمين اللاهثين للخطر معرضات
لا تنسوا النساء والفتيات المُختطفات المستعبدات
المفقودات في ظلام أسود
لا تنسوا الآباء والأشقاء الذين قُتِلوا على يد الخونة
لا تنسوا الطفلة الصغيرة البريئة
تهرب جائعة،
تبحث عن أمها وهي ميؤسة
لا تنسوا المُسِنَّ الفقير، الذي يسأل بغضب:
لماذا ندفع هذا الثمن الغالي مرة أخرى؟!
لا تنسوا امرأة باعوها ونقلوها لكم
كل آمالها وأحلامها للحياة فقدوها
تُرجِمَت من اللغة الكردية إلى العربية مع المحاولة للحفاظ على سمة القافية.
يوجد آلالاف من اتباع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سجون قوات سوريا الديموقراطية في روج آفا (شمال سوريا) والعراق (بما في ذلك كردستان). وفي مايو/ أيار 2021، وصف فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لملاحقة جرائم داعش في العراق العنف الذي تعرض له الإيزيديون على يد داعش بأنه إبادة جماعية، في حين لا يوجد في العراق نموذج قانوني للإبادة الجماعية. حيث يتم إدانة أنصار الدولة الإسلامية في العراق وكذلك في كردستان وفقًا لقوانين مكافحة الإرهاب. وتنتقد منظمات حقوق الإنسان تلك المحاكمات بشكل كبير، لكونها محاكمات سريعة تُفتَقر فيها إلى التحقيق بشكل موسَّع في الجرائم المرتكبة، فالمحاكم في كردستان والعراق لا تتعاون او الا القليل مع بعضها. وفي الوقت نفسه، ناقشت الدول الأوروبية وغيرها إمكانية إعادة مواطنيها الذين انضموا إلى داعش والمسجونين في سوريا والعراق. وقد دعت المنظمات الإيزيدية مرارا وتكرارا إلى إنشاء محكمة دولية للتعامل بشكل قانوني مع الإبادة الجماعية برمتها.
.
اول قضية تتضمن الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين كجريمة في لائحة الاتهام، كانت القضية المرفوعة ضد العراقي والتابع سابقًا لتنظيم الدولة الإسلامية طه ال.ج. في المحكمة العليا في فرانكفورت. بدأت هذه المحاكمة في أبريل/ نيسان 2021، وانتهت في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بالحكم بتهم من بينها الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وعوقب المتهم بالسجن مدى الحياة، بينما عوقبت زوجته السابقة ” Jennifer W. في اكتوبر/ تشرين الأول 2021 من قبل المحكمة العليا في ميونخ بالسجن لمدة 10 سنوات. يذكر أن طه ال.ج. اشترك مع زوجته السابقة آنذاك في استعباد إيزيدية وطفلتها ذات الخمس سنوات. وقد عاقبا الطفلة بتقييدها وتعريضها للحرارة العالية مما تسبب ذلك في وفاتها.
قيّمت منظمة العفو الدولية “Amnesty International” هذه المحاكمة بأنها تاريخية، لأنها كانت الأولى من نوعها في العالم تتناول وتضم فيها جرائم الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين. كذلك استُخدِم مبدأ القضاء الدولي لأول مرة دون أي صلة بألمانيا. اعتُقِل طه ال.ج. في اليونان وتم تسليمه لألمانيا. مع ذلك، انتقد المراقبون حقيقة عدم التطرق إلى المسائل المتعلقة بالجنس أو الديانة في جرائم الإبادة. حظيت هذه المحاكمة باهتمام خاص لأسباب ليس أقلها أن دفاع المجني عليها الإيزيدية هي المحامية الشهيرة Amal Clooney، التي سبق لها العمل في قضايا أخرى لصالح الإيزيديين، مثل قضية شركة الأسمنت الفرنسية Lafarge، والتي اتُّهِمَت فيها الشركة بتمويل تنظيم الدولة الإسلامية بالمساعدة في جرائم ضد الإنسانية.
أدانت المحاكم الألمانية الى جانب طه ال.ج. و Jennifer W.، أعضاء آخرين في تنظيم داعش بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، فيما يتعلق بما فعلوه ضد الإيزيديين، هم: Sarah O.، Nurten J.، Omaima A.، Jalda A.، Leonora M.، و Romeina S.. كانت المحاكمات ضد Leonora M. في المحكمة العليا في نورنبورغ وضد Sarah O. غير علنية، نظرًا إلى كونهن قاصرات خلال فترة اشتراكهن في تنظيم الدولية الإسلامية.
شهدت ضد الشاهدة الإيزيدية في المحاكمة أيضًا كشاهدة رئيسية ومدعية ثانية في المحاكمات ضد Sarah O.، Nurten J. و Omaima A.. قبل تعرضها للاستعباد من قِبل Jalda A.، تم استعبادها و تعذيبها من قبل Sara O. ، التي استعبدت 6 إيزيديات في المجمل. خلال هذه الفترة، تم “استعارتها” الى صديقاتها الألمانيات Nurten J. و Omaima A.. كانت Jalda A. في سجن يسمى بمخيِّم الهَوْل التابع لقوات سوريا الديموقراطية، قبل نقلها إلى ألمانيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حيث اعتُقِلَت مباشرةً هناك فور وصولها. وقد بدأت في أبريل/ نيسان 2022 المحاكمة الجنائية ضدها.
وفقًا لتقرير نشرتها لجنة العدالة الإيزيدية في يونيو/ حزيران 2022، يُذكر أن ثلاثة دول على الأقل انتهكت القانون الدولي المعمول به فيما يتعلق بالإبادة الجماعية للإيزيديين: تركيا وسوريا والعراق. ومن غير المؤكد ما إذا كان سيتم توجيه اتهامات إلى أحد هذه الدول في المحكمة الجنائية الدولية. وقام اتحاد مجلس النساء الإيزيديات في عام 2019 بتقديم بلاغ جنائي ضد حكومة ألمانيا ووزيرة العدلKatarina Barley (SPD – الحزب الديموقراطي الاجتماعي الألماني) ووزير الداخلية Horst Seehofer (CSU – حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي)، متهمه إياهم بتخاذلهم في اتخاذ الإجراءات اللازمة ضد أنصار تنظيم الدولة الإسلامية الماني الجنسية المحتجزين في سوريا. إلا أنه لم يتم بعد بدء المحاكمة القضائية.
في إطار مشروع فرمان (الإبادة الجماعية) ضد الإيزيديين، يُشار إلى جميع الأشخاص الذين كانوا في شنكال (العراق) في 3 أغسطس/آب 2014 والذين نجوا من هجمات تنظيم الدولة الإسلامية والعنف الناجم عن ذلك (مثل الخطف والعبودية) على أنهم ناجون/ناجيات.
يولى اهتمام إعلامي وسياسي واجتماعي خاص لأولئك الأشخاص الذين وقعوا في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية. من بين 6000 شخص من الأيزيديين المستعبدين، لا يزال النصف تقريبًا في الأسر. تمكن الآخرون من النجاة بواسطة التحرير، أو عبر محاولات الهروب التي قاموا بها أو عن طريق شراء حريتهم. سنستعرض بإيجاز أربعة ناجين من الأيزيديين الشباب الذين التزموا بطلب الإيضاح والعدالة لسنوات ويعيشون الآن في ألمانيا.
نجلاء مطو
“أريد أن أعبر عما في داخلي حتى يعرف العالم ماذا حصل، وحتى نرى العدالة يوماً ما. لم تأخذ العدالة مجراها حتى الآن فيما يتعلق بالفرمان (الإبادة الجماعية). (…) العدالة تعني محاسبة أعضاء داعش وتوفير الأمن ليتسنى للناس الرجوع إلى شنكال وتعود حياتهم كما كانت من قبل. لقد فقدوا أرضهم وممتلكاتهم وعائلاتهم.”
(ترجمة حرة من الكردية)
أردوان عبدي
“موضوعي الأكبر هو حقوق الإنسان (…) في جميع أنحاء العالم، وفي العراق أيضًا. (…) كانت الإبادة الجماعية للأيزيديين وما تزال محور اهتمامي الأول. أريد أن أستمر في القيام بالعمل الذي أقوم به كشاهد على الأحداث في الفصول المدرسية وفي المناسبات وفي الجامعات، لأنني أرى هدفًا من قيامي بذلك. ومن خلال عملي كشاهد وكأحد الناجين من تنظيم الدولة الإسلامية، أريد أن أظهر للعالم ما مررنا به والظلم الذي وقع علينا”.
فرهاد سلو
“أعتقد أن المشاريع والمنظمات يمكن أن يكون لها تأثير كبير. حتى لو كان حجمها صغيراً، فأنها يمكن أن تعطي الناجين الشعور بأنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك من يفكر ويهتم بهم.”
حكيمة طه
“أنا راضية عن حياتي هنا (في ألمانيا) وأنا سعيدة جدًا بوجودي هنا. ولكن بصراحة، أشعر بأنني لست بخير لأنني أفكر دائمًا بأولئك الذين بقوا في العراق، ولا سيما الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين. عرفت وسمعت أن حالتهم سيئة. ليس هناك ما يمكنني فعله حيال ذلك وكما أنهم لا يملكون خياراً آخر سوى البقاء في المخيمات”.